الزائدة الدودية!/الأستاذ خالد الفاظل

أربعاء, 06/03/2019 - 16:57

الزائدة الدودية!
كان جسده مغطى بالغبار ورأسه يكاد يختفي بين أكوام الطين التي ينتزعها من أحشاء الأرض، إنه يستخرج منها طينا جافا يخلطه بالماء ليصنع منه مكعبات صلبة يكومها عمال البناء بشكل عمودي فوق سطح الأرض ثم يغلفون سقوفها بجذوع الأشجار لتصبح منازلا تقي قاطنيها قيظ الصيف وزمهرير الشتاء. امتهن أيوب تصنيع الطين منذ خشونة أظافره، كان لونه الداكن كلون الشكولاته يشبه لون عينيه اللتين امتزج سوادهما ببياضهما بسبب تكدس غشاء داكن كان سمكه يزداد مع الأيام وعند حفر الأرض الصلدة بمعوله وتطاير غبارها في عينيه. في أحد الأيام وهو منهمك في رص مكعبات الطين الجاهزة للبيع؛ رن هاتفه فتهللت أسارير وجهه وأبانت عن إشراقة شباب دفنها تتابع المحن؛ لعله زبون جديد؟ قالها بعد أيام من كساد منتوجه. أزاح خيط المطاط الذي يمنع سقوط غطاء بطارية هاتفه حتى يضغط زر (الاستقبال). لم يكد يكمل نطق آلو. حتى داهمه صوت سويلمة حادا وحزينا يحضه على الحضور السريع بعد إصابة ابنه بآلام مبرحة أسفل المعدة. استبق أيوب الرياح وإن هي إلا لحظات فإذا به يضرب برجله دون قصد قدحا مليئا بشربة (تقية) الغنية بالسيللوز والمفيدة في ألم المعدة، بيد أن مفعولها لم يجعل آلام ابنه تتقهقر. أعار أيوب عربة وحمار جاره ثم طفق يغطى حوضها الحديدي بلحاف رث جدا أجلس ابنه عليه. ركب هو وسويلمة وأحد أخوته وسط لغط الجيران الذين تقاطروا حولهم فاغرين أفواههم بالدعاء وفاتحين أيديهم عن مال قليل كمساعدة. عند بوابة المستشفى أناخ أيوب عربته؛ ثم حمل ابنه ناحية الطبيب. بعد مطبات من الاجراءات المتباطئة كان أيوب يسرعها بالتذمر حينا وحينا بالغضب؛ كأنه سيل عنيف يحاول دفع جدران سد منيع يعرقله. بعد معاينة مقتضبة قال له الطبيب: طفلك يحتاج إلى عملية استئصال الزائدة الدودية؛ تموقع الألم وتفاقمه يوحي بذلك؛ عليك بتأجير سيارة الاسعاف قبل فوات الأوان. تحسس أيوب جيبه الذي يحتوي مبلغا لا يتجاوز عشرة آلاف قديمة وحمل ابنه ليغادر، نادى عليه الطبيب قائلا: نسيت أخبارك أن تكاليف استئصال الزائدة الدودية قفز جهة 95 الف بدل 35 الف. استدار أيوب وقال: لكنني الآن أبحث عن تأمين كراء سيارة الاسعاف قبل إكمال تسلق جبل المعاناة الذي توجد قمته الباردة في قلب حكومة إذا تجشأ أفرادها سافروا إلى باريس للنقاهة بينما أعمارنا زائدة دودية يتم استئصالها ونحن صامتون.
هنا فصالة. وأستغفر الله لي ولكم

الأستاذ خالد الفاظل