مجتمع الشائعات لايبني الدول..‼ / المرابط ولد محمد لخديم

خميس, 14/03/2019 - 17:13

 إن الشائعة عادة ثقافية متداولة لدى فئات عريضة من الشعب الموريتاني يجد فيها البعض التأثير على الأحداث في مجتمع يهتم كثيرا بالقيل والقال.. خاصة بعد توفر وسائل خطيرة مثل الموبايل والانترنت ووجود ساحة خصبة لهذه الشائعات..

  وهي حدث أعيد إنتاجه عدة مرات وخطورتها أنها لا تعتمد على مصادر مباشرة موثوقة تأتى عادة لتغطى فراغا معرفيا تعذر سده بطرق السليمة...

 ولهذا فإنها تنتشر في المجتمعات التي لا تتوفر على طرق شفافة ومحايدة لتناول المعلومات الصحيحة...

    كنت  كالعادة أتصفح يوميا  مثل غيري المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة كل جديد خاصة وأن البلد قادمة على استحقاقات  رآسية أصبحت على الأبواب..

   منذ أسابيع ظهرت عناوين ملفتة  لكن كنت في كل مرة ما إن أنتهي من قراءة خبر حتى أتفاجأ بأنه كان شائعة أو (جفﱢ) بالمعني العامي..

     من هذه الشائعات ماعشته شخصيا وهي إشاعة وفاة الشيخ العلامة حمدا ولد التاه أطال الله في عمره ونفعنا بعلمه ولكي أقطع الشك باليقين ذهبت فورا إلى دار العلامة ووجدت الخبر شائعة لا أساس لها والهدف منها مازال لغزا ...؟ وكذالك الداعية الشيخ ولد عبد المالك الذي كذب عن اشاعة وفاته مباشرة..

  ولم تقتصر الشائعات على الشخصيات الدينية بل أنها طالت هذه المرة رئيس الجمهورية في مابات يعرف بتحويل ألملياري دولار إلى دبي..وقد أخذت هذه المرة بعدا عربيا وأوربيا كونها تناولتها قناة الجزيرة القطرية  و صحيفة القدس العربي اللندنية .. وبدافع الفضول والتحري عن المصدر أحالتنا الجزيرة للقدس العربي..؟

   أما القدس العربي فلم تكشف لنا عن مصدرها ليتبين لاحقا أنها شائعة مجهولة المصدر؟

   فهل أصبحنا نصدر الشائعات؟ وهل وصلت هذه الوسائل الإعلامية  العربية من الترهل وطمس البصيرة الى درجة عدم التدقيق في المصادر أم أنها وقعت في فخ الشائعات بدون أن تدري؟ الأيام القادمة كفيلة بكشف الحقيقة...

 بعودة مبرمجة إلى الموضوع نرى أن عشرية الدولة الحالية نجحت في مشاريع هامة وفشلت في أخرى هكذا عمل البشرية فهو دائما ناقض..وذالك حسب الآتي:

 1- في التعليم  الإعدادي والثانوي.انتشلت الدولة مادة التربية الإسلامية  بمصادقتها، على مشروع قانون يقضي بإعادة تنظيم شهادة الباكالوريا الوطنية بشكل يسمح بتعزيز مكانة التربية الإسلامية  وإعطائها المكانة اللائقة بها في النظام التربوي وهو مطلب للجميع بعد أن أهملت و غيبت عن قصد طيلة العقود الماضية...في ما يعرف بالإصلاح المشؤوم الذي انتهجته الحكومة الموريتانية السابقة سنة 1999م والقاضي بتقزيم التربية الإسلامية في الإعدادي والثانوي بحيث أصبح ضاربها:1 وتدرس بمعدل ساعة أسبوعيا مما شكل نوعا من الاهانة للدين الإسلامي وللأستاذ بعدم أهمية مادته.. وقد كتبت آنذاك مقالات ودراسات حول هذا الإصلاح تحت عناوين مختلفة مثل:

عندما تحكم لفرانكفونية قبضتها‼ ...  موريتانيا بين التعصب القبلي والتدخل الماسونيولكن لم يستمع إلي احد آنذاك.. فلا حياة لمن تنادي...

http://aqlame.com/article17387.html  ويقضي هذا القانون الجديد بزيادة عدد ساعات تدريس التربية الإسلامية في الإعدادية إلى أربع ساعات وبضارب:4 والثانوية ساعتين بضارب:2 وهو قرار يذكر فيشكر عند جميع أطياف المجتمع الموريتاني. ولكنه لا يخلوا من مخاطر حيث أن الطلاب سيتوجهون من جديد إلى التربية الإسلامية دراسة وبحثا طلبا للنقاط ولكن المناهج التي بين أيديهم ينقصها الكثير من الإضافات والمعلومات فهي نصوصا تعداها مد الثقافة والعلم....ولم يعد بإمكانها مواجهة حضارة حبلى بسلوكيات ومناهج لم يعهدها المجتمع الموريتاني من قبل ولا يمكن مواجهتها بوسائل تقليدية...‼

2- في التعليم العالي حدث العكس..  

  حيث تنص المادة الأولى من القانون على أن جامعة نواكشوط مؤسسة عمومية للتعليم الجامعي تحكمها مقتضيات الأمر القانوني رقم 007_2006 بتاريخ 20فبراير 2006م المنظم للتعليم العالي.. 

المادة 34: ينتخب العميد لمأمورية مدتها أربع سنوات, قابلة للتجديد بالتتابع مرة واحدة...

  وفعلا فقد انتخب العميد الأستاذ الدكتور محمد أحمد ولد سيد محمد ولد أجيد بإجماع من لأساتذة وتم انتخابه في فبراير سنة 2015م ليتم استبداله بقانون جديد سنة 2017 م بموجبه تكون عمداء الكليات يعينون من طرف وزير التعليم العالي ويزاح العميد المنتخب من منصبه قبل انتهاء مأموريته في سابقة لا توجد إلا في موريتانيا..‼ وانحدر التعليم وغاص في المياه الآسنة..‼

  3- الدبلوماسية الموريتانية وسمعتنا في الخارج:  بتنظيمها للقمتين العربية والإفريقية في وقت قياسي...ونجاحهما بشهادة المحللين والمراقبين الدوليين تحت فزاعة الهاجس الإرهابي والخوف من وقوع عمليات تخريبية.. وتكللت نتائج هذا العمل بدخول اسم موريتانيا في المحافل العربية والإفريقية والدولية لأول مرة وزادت وتيرته بتولي ولد الشيخ أحمد الشخصية الأممية المرموقة حقيبة وزارة الخارجية الموريتانية..

  ويكفي أن تستنسخ لبنان في القمة العربية التنموية والاقتصادية الأخيرة.. أنموذج موريتانيا (الخيمة ).. بعدما سخرت منا في القمة العربية السابعة والعشرون وبات وفدها المشارك ليلته في دولة السنغال المجاورة..)

     وقد كسبت موريتانيا الرهان بشهادة العالم كله. وهو ما أهلها لاستضافة القمة العربية التنموية والاقتصادية الخامسة المقبلة في مدينة أنواذيبوا,,,

   وقد كانت قبل هذا تعتمد على سمعة سفراؤها في الخارج, فعلى مدى عقود من الزمن وموريتانيا تفتح في السفارات وتبعث بالسفراء وتنفق الملايين,, وفى الأخير تتفاجأ بأن هؤلاء أصبحوا سفراء حقائب, يقضى الواحد منهم ما شاء أن يقضى في الخارج في ترف منقطع النظير وعندما تحين العودة إلى الوطن تمتلئ الشنط بما غلا ثمنه وخف وزنه..

   وهذا ما يوضح تقصير هؤلاء السفراء عن دورهم المنشود في التعريف بالوطن. وقد عانيت من هذا شخصيا فعندما القي محاضرة في المشرق يسألوني أين هي موريتانيا أهي الصومال أم جيبوتي؟‼.

    فيكفي أن نعمل جردا عاديا لرواتبهم وميزانياتهم التي تجاوزت ما وراء البحار على مدى  نصف قرن من الزمن, لتتبين مدى خلل التفكير عند هؤلاء. ولا ينبئك مثل خبير، فسفراؤنا الحاليين والمتقاعدين عندهم خبر اليقين.غير أننا نرجح دائما الشعر أو "الغناء الحساني" ليتكلم بلسان حال هؤلاء قبل لسان مقالهم والقصة تحكى عن أحد الذين عانوا من تسيب سفاراتنا في الخارج..

 كان أحد سفرائنا في أحدى الدول الشرق أوسطية والتي عادة ماتمنح نوعين من الطلاب: طلاب عاديين، وطلاب من جهات أخرى، ونظرا للتأخر المنحة واقتراب ذهاب الطلاب العاديين في العطلة الصيفية إلى البلاد، وكان آنذاك يوم الاثنين آخر أيام السنة الدراسية وهو اليوم المحدد للقاء السفير بالنسبة للطلاب العاديين لذلك لجأ السفير إلى استبدال يوم الاثنين بالخميس بعد علمه بأن هؤلاء الطلاب سيذهبون يوم الاثنين في العطلة الصيفية

"مناورة منه"  مدعيا أن ذلك اليوم من نصيب الطلاب الآخرين,

فقال قائلهم بالشعر "الحساني"

يلگ كَانٌ الطلًاب ** كَلٌ أثٌنين أُذَ طَابٌ

أعليه أولا ينصاب ** عن ملگاه أفلثنين

ذا السفير أو ينهاب ** أفست أيام أخرين

غير إبان أراعيه  **   أتاليل مسكين

يتخاف عاد أعليه **  لخميس أمع لثنين.                 

     قد يقود التناوب على السلطة واستبعاد الانقلابات إلى نوعا من الثبات والنمو والازدهار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.الذي يحلم به هذا البلد الذي مزقته الانقلابات طيلة العقود الماضية...

   فقد كان كل رئيس جاء بانقلاب يقضي على عمل سلفه ويبدأ من الصفر...

   أما الآن وفي ظل التناوب السلمي  ستنقلب المعادلة  وسيعمل الرئيس الجديد كمكمل ومصوب لما انتهى عنده سلفه وتستمر المسيرة التنموية وهذا في حد ذاته  انجاز غير مسبوق في موريتانيا..

  ولقد وفق المترشح محمد أحمد ولد الغزواني الذي قال في خطاب الترشح أن رؤساء موريتانيا ساهموا جميعا في بناء الوطن  بغض النظر عن الايجابيات والسلبيات..

 وهذا الطرح الجديد الذي لا يقصي أحد سيشكل بحول الله قاعدة وأساسا متينا للبناء عليه في نمو البلد وازدهاره وسيلبي الجميع النداء.

  ونحن هنا إذ نورد هذه القضايا إنما نبحث عن العلة الكامنة في الذات، فإن نحن نجحنا في معالجتها فإن المشكلة ستزول تلقائيا بزوال أسبابها وإن تجاهلناها وعالجنا الظواهر فقط، فستعاودنا بأشكال شتى،كمن يتوجه إلى البعوض بأطنان مبيدات الحشرات، ولا يفطن إلى تجفيف المستنقع الذي يحتضن بيوضها فلا تلبث أن تفقس من جديد..

  كان على مستشاري رئيس الجمهورية أن يكتبوا عن الانجازات والإخفاقات في عشرية النظام السابقة حتي يكون بين يدي الرئيس المقبل ورقة يمكن البناء عليها..  لا أن  ينسحبوا من المشهد فجأة بعد أن أعلن الرئيس عدم ترشحه لمأمورية ثالثة..بدون أن يفيدونا بأي شيء وهم الذين امتلأت صفحات المواقع الالكترونية والجرائد بكتاباتهم قبل هذا الإجراء ‼

كنت قد كتبت مقالا سابقا إبان ترشح الرئيس الحالي بعنوان: المرشح ولد عبد العزيز بين ضعف مستشاريه وجشع مناصريه‼ وقد استشرفت فيه ماسيحدث مشخصا ومحللا ...الرابط:

http://www.aqlame.com/article19003.html

 إننا نعانى أزمة حقيقية في الذات فمواطن الأزمة موجودة في الضمير وفي علاقته مع الواقع، وهذا يعني أن الأزمة تتصل بتفسير المشاكل أكثر من اتصالها بطبيعتها، فهي ليست أزمة في الوسائل وإنما في الأفكار..

إن دولة تهمش العلوم والثقافة وأهلها، فإن زادها غير كاف لمواجهة حضارة ساحرة الإغراء كثيرة الأحابيل، ولمواجهة هذه المدنية القادمة لا محالة، يجب علينا ابتكار نماذج جديدة للتغيير تنسجم مع عقيدتنا، وأهدافنا، وعقلنا الجمعي الإيجابي، وتستوعب طبيعة التحديات المتصاعدة إن الإصلاح لا يمكن أن يتم بشكل فردي بل يجب أن يكون بالتشاور بين جميع الأطراف المكونة للدولة والراغبة في الحوار بجدية.....    علينا أن نتحاور ونتصارح لتقوية نسيجنا الاجتماعي ووحدتنا الوطنية وأن نرسم مستقبلنا ككيان تترصده المخاطر من كل مكان في ظل مناخ دولي وإقليمي متقلب..

  نطالب الرئيس المقبل بتفعيل دور الدولة في مواجهة القبيلة والجهة، وفك ارتباط المثقفين الأكفاء والسياسيين الجادين مع هذه المؤسسة البالية، التي يحرص على بقائها أنصاف المثقفين والسياسيون المخادعون.. والتي تأسست على الشائعات تلجأ اليها وقت ما تشاء..    إننا مجتمع بدوي ثقافته وهمومه بدوية لا اهتمام لها بالمدينة، تسودنا روح القبلية، وإذا كانت هذه الثقافة أدت دورها في فترتها الزمنية ومجالها الجغرافي فانه من غير المعقول استمرار وظيفتها السياسية, في مجتمعنا الحديث الذي يتميز بالتباين والتخصص والطبقية والبيروقراطية....وهذا ما أدى إلى جهلنا بما يدور حولنا دون أن نتخذ منه موقفا بإرادتنا.فقد؛    -آن لنا أن نبدع ثقافة تستجيب لمتطلبات عصرنا وطموحنا - آن لثقافتنا أن لا تظل الماضي الأعزل في عالم الدول والأمم والقارات   -آن لثقافتنا أن لا تظل ثقافة تنتظر فتحا خارقا أو "كرامة" في عصر أخص خصائصه التطور العلمي والتقني القائمان على السببية العلمية وعلى الإرادة الإنسانية الفاعلة.

ولن يتحقق هذا الا  بإعادة الثقة في الثقافة، والمثقف، والاستفادة من أصحاب العقول، وتوظيفها، وتنميها، ومساعدة أصحابها، على النهوض والتغلب على العراقيل التي تعترض سبلهم..  ومن المعلوم أن أي إصلاح يتطلب خطة مدروسة نابعة من الواقع المفترض ولهذا يجب علينا أن نطبع تصورا ونرسم له مطامح، ونخلق له اتجاه معين يهدف إلى التقدم ولكن هذا سيبقى عقيم إلا إذا تجاوزنا هذه الأمور إلى عقل المجتمع لينتظم في نطاق اتجاه محدد يستمد منه فعاليته.بالتوعية الكاملة، عن طريق آليات ووسائل تنفذ إلى عقل المجتمع، بابتكار نماذج جديدة للتغيير تنسجم مع عقيدتنا، وأهدافنا، وعقلنا الجمعي الإيجابي، ونستوعب طبيعة التحديات المتصاعدة، التي تواجهها الأجيال الناشئة..

   أود أن أؤكد أنني لا أسعى إلى تثبيط الهمم في ما يخص الديموقراطية والنجاح الأكيد للمترشح ولكنني أريد من المترشح أن لا ينظر إلى هذه الحملات التي تسعي بدرجة أولى إلى القضايا النفعية وما المبادرات التي نسمع عنها من هنا وهناك باسم القبيلة الفلانية أو الشخص الفلاني إلا مثالا على هذا..

   أرجو أن تكتمل التصورات العامة في ذهنه وأن يبدأ بالأولويات بدون إغفال خصوصية النخبة المثقفة ,ومن المعلوم أن الثقافة للناس أشبه بالسلاح للمقاتل الذي يمنح لصاحبه معنى من القوة والمتعة لا يجده في غيره...

 هذا مجرد رأي شخصي قد يكون صائبا وقد يكون خاطئا حاولت فيه تشخيصا لواقع حالنا  

الذي يحتاج إلى دراسات كثيرة ميدانية اقتصادية واجتماعية وسياسية منصفة..

وأن مانعيشه اليوم  من الاهتمام بالشائعات والأراجيف  من هنا وهناك لايقدم بل يؤخر وأن مجتمع هذا حاله لا يبني الدول.