المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب تحذير للقيادات الفلسطينية من مستقبل مظلم

جمعة, 17/11/2023 - 11:55

 

منذ أن رفضت بعض القوى الفلسطينية وبعض الزعامات العربية قرار الأمم المتحدة رقم (١٨١) القاضي بتقسيم الأراضي الفلسطينية الذي نص على أن تنشأ في فلسطين (دولة يهودية) و(دولة عربية)، ونتيجة لعدم وجود من يمثل الشعب الفلسطيني في تلك الفترة ليتخذ القرار بما يحقق الحد الأدني لحقوق الشعب الفلسطيني.

ضاع حق الشعب الفلسطيني واستغل اليهود غياب من يمثل الطرف العربي ومع تقادم الزمن على تلك الفرصة التاريخية قامت إسرائيل بترسيخ الدولة الصهيونية في حالة غياب تام من تمثيل الشعب العربي الفلسطيني.

وانقسم الفلسطينيون فيما بينهم وتشتت شملهم ونشأت قيادات متعددة كل يدّعي بأنه يمثل الشعب الفلسطيني واستغلت الدولة الإسرائيلية فرصة عدم وجود جهة واحدة تمثل الشعب الفلسطيني، وكانت محاولة جمهورية مصر العربية أثناء رئاسة جمال عبد الناصر للجمهورية العربية المتحدة أن استطاع إقناع الدول العربية في مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في القاهرة سنة 1970م بتوحيد الجبهات الفلسطينية تحت راية واحدة تمت تسميتها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.

وظلت بعض الجبهات تتحرك باسم القضية الفلسطينية بمفردها لأن منظمة فتح استأثرت بالقيادة وحدها وتسبب ذلك في صراعات بين المنظمات الفلسطينية، ونشأت منظمات عِدة لا يجمع بينها هدف مشتركة ولا يعنيها حقوق الشعب الفلسطيني للمحافظة على وطنه وحماية حقوقه السيادية فوق أرضه والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني، ولم تضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل الاعتبارات وأصبحت لبعض المنظمات انتماءات مستقلة مع دول عربية تسير في ركابها دون إدراك بأهمية وحدة القضية والتفاني في التلاحم، من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

وقد غلبت المصالح الشخصية والأنانيات على بعض القيادات مما أفقدهم وحدة الصف لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ولم يستفيدوا مما مرّ عليهم من عِبر ومحاولة تصفية القيادات وما وقع من اجتياح على لبنان لطرد قيادات المنظمة منها سنة 1982م، وتم انتقال منظمة التحرير وقياداتها إلى الجمهورية التونسية، ونسوا ما قام به شارون القائد الإسرائيلي من مجازر وسفك للدماء، ولم تستدعِ تلك الجرائم الضمير الوطني الفلسطيني ليضع القادة المصلحة الوطنية فوق المصالح الشخصية والتنازع على السلطة والمكاسب القيادية، (ورجعت حليمة إلى عادتها القديمة) الفلسطينية؛ حتى وصل الأمر بين المنظمات الأكبر حماس وفتح معارك دامية في غزة سفكت فيها دماء الأبرياء قربانًا للهيكل ليتحقق الهدف المقدس لليهود.

وأتاحت تلك الخلافات وانشغال القيادات الفلسطينية فيما بينهم لتقاسم التركات؛ جعل إسرائيل كل يوم تبني مستوطنة جديدة للمطرودين من أوروبا وأصحاب الأرض مشغولون بأنفسهم. وبالرغم من اتخاذ منظمة حماس قرارًا منفردًا في ٧ اكتوبر٢٠٢٣م، باغتت الهجوم على الدولة الإسرائيلية دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية لتكون الواجهة السياسية لتوظيف الحدث العسكري لصالح حق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته؟، فتسببت حماس باتخاذها قرارًا عسكريًا منفردًا قيام إسرائيل بقتل عشرات الآلاف من الأبرياء أطفال ونساء وعجائز، واستباحت كل المحرمات وهدمت العمارات على رؤوس الآمنين، ومات الآلاف تحت الأنقاض، فهل كان قرار قيادة حماس يتناسب مع النتائج الكارثية التي باتت تهدد تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد؟

 ويبرز سؤال يحتار فيه العقلاء كيف سيتجاوز الشعب الفلسطيني آثار الدمار؟ وكيف يستطيع استعادة الخسائر وتعويضها؟ وكيف وهل ستستفيد القادات الفلسطينية من تلك المآسي المروعة ليرتفعوا فوق كل الخلافات والأنانيات والمطامع الشخصية التي يسعى كل منهم للسلطة والمصلحة الخاصة، احترامًا للدماء التي سالت بغزارة تروي أرض غزة دون هدف ودون تقييم للنتائج واحتساب الخسائر؟ اللهم إلا أن يتناقل الناس وأجهزة الإعلام اسم منظمة حماس تردده القنوات العلمية والعربية لإشباع الذات التي تضخمت، ولم تعد ترى مصلحة الشعب الفلسطيني، وقادتها يعيشون مترفين مع أبنائهم في قطر، آمنين على أرواحهم، مستمتعين بحياتهم، محافظين على ثرواتهم؛ فلا يهمهم عشرات الآلاف من الأبرياء يُقتلون ويُسحقون تحت أنقاض العمارات.

ألم يحن الوقت أن تكفِّر القيادات الفلسطينية عن أخطائهم والعودة إلى وحدة الصف والاعتصام بحبل الله في وحدة؟ ندموا وتابوا عن مواقف أجرمت في حقوق الشعب الفلسطيني.

كيف يستطيعون تجاوز تلك الخلافات والعداوات ليتمكنوا من الاتفاق على المطالبة من مؤتمر القمة العربي بتطبيق المبادرة العربية ومطالبة مجلس الأمن باحترام وتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني؟  

 فمن يا ترى سيتولى تمثيل الشعب الفلسطيني في المفاوضات الدولية لتنفيذ متطلبات مشروع حل الدولتين؟ حيث أنه حتى هذه اللحظة لا توجد جهة واحدة تمثل الشعب الفلسطيني لإعداد الآليات وتوزيع المسؤوليات للحكومة التي ستتولى قيادته، وتقوم بالتفاوض عنه لديها الصلاحيات الكاملة في اتخاذ القرارات التي تحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني خلال المفاوضات لتنفيذ قرارات الدولتين، وتحديد الحدود الجغرافية للدولة الفلسطينية التي اتفق عليها المجتمع الدولي والعالم العربي.

وإذا لم يتم تشكيل حكومة مؤقتة تمثل الشعب الفلسطيني في فترة انتقالية تنتهي مهمتها بالوصول إلى اتفاق نهائي تحت رعاية دولية وضمان مجلس الأمن بقيام الدولة الفلسطينية؛ فسوف يعطي لإسرائيل مبررات منطقية لإنهاء القضية الفلسطينية نتيجة لعدم وجود من يمثل الشعب الفلسطيني، وتكرر مرة أخرى مأساة عدم الموافقة على قرار التقسيم نوفمبر سنة (٤٨) وتنتهي قضية الحقوق الفلسطينية إلى الأبد، والسبب عدم توافق القيادات بسبب ارتباطاتها الخارجية وولائها للغير، وستكون السبب في ضياع حقوق الشعب الفلسطيني.

 وقبل أن يتحقق الأمل في مشروع قيام الدولتين؛ أخشى ضياع الفرصة على الشعب الفلسطيني كما ضاعت فرصة التقسيم التي كان من الممكن أن تنشأ دولة فلسطين قوية متكاملة المؤسسات، وعضوًا فاعلًا في الجامعة العربية والأمم المتحدة.

وتحذيري إذا لم يتم عقد اجتماع فوري في مصر بين السلطة الفلسطينية وكافة المنظمات الفلسطينية ويتعاهدون على توحيد الصفوف وتحديد الوزارت وتوزيع المسؤوليات؛ ليتم تشكيل حكومة مؤقتة دون إقصاء أي طرف من المنظمات لكي تتولى في المرحلة الانتقالية تهيئة الظروف والدخول في مفاوضات بدعم القيادات العربية مع مجلس الأمن والدول العربية وأمريكا وإسرائيل لوضع ترتيبات قيام الدولة الفلسطينية على أساس الدولتين، ووضع قواعد لتحقيق السلام بين إسرائيل والـدولة الفلسطينية، وإذا لم يتحقق ذلك فلينسَ الفلسطينيون قضيتهم وليبحثوا عن أماكن أخرى تأويهم، أو ليرضوا حكم إسرائيل عليهم أذلّاء لسلطتهم، لا مستقبل لهم ولا هوية، فقد تسببوا في ضياع وطنهم وإنهاء قضيتهم بأيديهم؛ وحينها سيتردد صوت في الفضاء يقول لهم: لا تلوموا الأقدار، ولوموا أنفسكم، فقد أغرتكم مصالحكم الشخصية وضيعتكم أنانية السلطة وكل منكم كان يسعى للسلطة، جعلتم من الشعب الفلسطيني وأطفاله الذين يذبحون ونسائه الذين يستباحون وعجائزهم الذين يقتلون قرابين في سبيل طموحاتكم وأنانياتكم ومصالحكم الضيقة؛ فذوقوا اليوم ما كنتم تعملون.