موريتانيا واختبار الاستقطاب الإقليمي والدولي /خليل ولد اجدود
أتابع، كمراقب يقيم خارج البلاد، أداء رئيس الجمهورية وحكومته في ملفات تشكل أولوية بالنسبة لي: الأمن القومي، السياسة الخارجية، تحسين صورة البلاد كوجهة واعدة، جذب الاستثمارات، محاربة الفساد، وحماية مقدرات موريتاتيا، والسلم الأهلي، وما يتطلبه تكريسه من تقوية للجبهة الداخلية، عبر حل إرث من المشاكل والقضايا الإنسانية والاجتماعية التي تركتها الأنظمة السابقة، ونتطلع لتسوية نهائية لها عبر حوار وإجماع وطني العام المقبل؛ مخرج سلمي وتوافقي بهذ الشكل سيضع حدا لاستمرار الخطاب الشرائحي والنزعات العنصرية لدى القوميين المتطرفين من جميع مكونات البلاد العرقية .
المختار ولد اجاي، كوزير أول، هو جزء من هذه الدينامية، وقد وضعته ثقة رئيس الجمهورية في صدارة سياسة تصفير المشاكل وتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة المخاطر المحدقة ببلدنا على خلفية الاستقطاب الإقليمي والدولي الحاد على الموارد الطبيعية من معادن ومصادر للطاقة في غرب أفريقيا.
الاستقرار الحكومي مهم في هذه الظرفية. لا يمكن توزير جميع الناشطين والفاعلين في غضون سنوات، ولعل من ممهدات الحوار السياسي إطلاق حوار اجتماعي والاستماع لمطالب ومقترحات نقابات التعليم والصحة وجميع المنظمات المهنية.
على صعيد الأمن القومي والعلاقات الخارجية، نجح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وحكومته فيما فشلت فيه حكومات أخرى في المنطقة.
وبين مقاربة أمنية وقائية ركزت على تعزيز جاهزية الأمن والجيش، وضبط الحدود، وسياسة خارجية متوازنة مزجت، في هدوء وبحكمة، بين البراغماتية والحذر الاستراتيجي لتجنب تداعيات الاستقطاب الإقليمي والدولي، حافظ الرئيس على أمن البلاد القومي وسيادتها على حدودها الطويلة، وعلى الاستقرار في محيط إقليمي مضطرب.
أعتقد أن أسوأ السيناريوهات وأخطر التهديدات في منطقة الساحل قد مرت علينا، وبالنسبة لي رأيت في جولة الرئيس الأخيرة في الحوض الشرقي وزيارته لمناطق متاخمة للحدود مع مالي إعلان انتصار في معركة لم تكن سهلة.
بحكمة وصبر وحزم في آن، تجنبنا مع الحكومة الحالية الانزلاق في صراع إقليمي سعت الطغمة العسكرية الحاكمة في باماكو، ومرتزقة شبكة المرتزقة الروسية فاغنر، لجرنا إليه، عندما خططوا لتكثيف الضغط على المقاتلين في الجماعات الإسلامية وحركات تحرير الشمال وتهجير سكانه، لجعل جبهة القتال والفوضى في الأراضي الموريتانية، الحوضين بدل “أزواد”. يا لها من خطة جهنمية فظيعة.
الحوار الاستراتيجي مع موسكو نجح في إقناعها بإمكانية تحقيق مصالح أكبر مع موريتانيا مستقرة وموحدة، كشركاء مثل غيرهم.
روسيا تعرض حاليا دعم الجيش والأمن، والتدريب، وتبدي استعدادها لمساعدتنا في حماية ومراقبة الحدود، مثل حلفائنا الفرنسيين والإسبان والأمريكيين والناتو.
موسكو أصبحت لديها مصالح جديدة، بعضها في مناطق من حوزتنا الترابية متاخمة للحدود مع مالي، وسعت سابقا شبكات مرتبطة بها لنشر الفوضى فيها (لا يمكنني الإفصاح عن موقعها وطبيعتها).
وهكذا تجنبنا، حتى الآن، أذى الروس العاكفين ليل نهار على سياسة إعادة تموضع في المنطقة، سلاحها الفوضى، وهدفها الوصول إلى الموارد المعدنية ومصادر الطاقة، والأطلسي، والموانئ، والتحكم في ملفات الهجرة والغاز الإفريقي، في صراعهم مع دول الاتحاد الأوروبي.
على الصعيد الإقليمي؛ التحدي الذي نواجه دائما: كيف نقيم علاقات قوية ومتوازنة مع الجارتين الشقيقتين الغريمتين، المغرب والجزائر؟
ساهمت زيارات الرئيس للجزائر في الدفع نحو التهدئة والخيارات الدبلوماسية والسياسية فيما يتعلق بالمشاكل الإقليمية والتوترات والنزعات الانفصالية.
وعلى الصعيد الثنائي، نجحت في تكثيف التعاون والتوجه نحو تكامل اقتصادي وتجاري، ولذلك علاقاتنا مع الجزائر وطيدة، وهذا هو المطلوب.
ويمكن القول إن العلاقات مع المغرب أيضا في أفضل وضعية لها منذ سنوات، وهي تذكر بما كانت عليه غداة الزيارة التاريخية للملك محمد السادس لنواكشوط، والزخم الكبير الذي رافق زيارة الرئيسين السابقين معاوية ولد الطايع لطنجة، واعلي ولد محمد فال، رحمه الله، لمراكش.
وأظهرت الحفاوة والتقدير الكبير الذي استقبل به الرئيس غزواني في الرباط ديسمبر الماضي عمق العلاقات وتطورها.
وخارج المغرب العربي، العلاقات قوية ومتينة مع جميع دول الخليج والقوى الإقليمية المؤثرة في المنطقة، باستثناء إسرائيل، وكنت دوما أستمع لانتقادات تقول إن ولد الغزواني انخرط في الاستقطاب الإقليمي، ومع الوقت تبين العكس.


