فصل آخر مثير للجدل على مستوى العالم، مصحف صدام حسين المخطوط بالدم، ليبقى الأثر الجسدي الوحيد من جثة الرئيس الراحل صدام حسين.
على مدي عامين، وخلف أبواب موصدة، خط فنان عراقي القرآن كاملاً ، يتكون من 605 صفحة، تضم 336 ألف كلمة كتبها جميعها بما يتراوح ما بين 24 و27 لتراً من دماء الرئيس الراحل صدام حسين، وفق ما نشرت صحيفة The Guardian البريطانية.
كما ويوجد المصحف حالياً بمبنى ملحق بمسجد «أم القرى» -أم المعارك سابقاً- في بغداد، حسب عربي بوست.
البداية.. محاولة اغتيال عُدي
في 12 ديسمبر/كانون الثاني عام 1996 وفي أحد أحياء بغداد الراقية مرّت سيارة من طراز «بورشه» الفاخر يقبع بداخلها عُدي صدام حسين، الابن الأكبر للرئيس الراحل. وبعد عدة دقائق انهمر وابل من الرصاص من بندقيتين آليتين على السيارة في مشهد دموي تسبب لعُدي في إصابات بالغة أثرت فيما بعد على قدرته على السير. كانت محاولة الاغتيال الانتقامية تلك من قبل مجموعة من الشباب العراقي المعارض لحُكم صدام حسين، والتي قلبت الأوضاع بشكل كبير داخل أروقة الحكومة العراقية آنذاك، وأثناء مكوثه للعلاج بمستشفى ابن سينا في بغداد، كان يزوره والده الرئيس صدام، عندما راودته فكرة كانت وراء أحد أشهر نُسخ القرآن الكريم جدلاً، ألا وهي كتابة القرآن الكريم كاملاً بدم الرئيس بمثابة نَذْر منه فداء لنجاة ابنه الأكبر من الموت.
الأمر المُطاع.. استدعوا عباس شاكر الجودي
في حديث له عام 2004 لموقع الجزيرة، يروي الخطاط العراقي عباس شاكر الجودي أن الرئيس صدام حسين استدعاه بشكل عاجل وطلب منه طلباً غير عادي، أن يَخُطّ له القرآن الكريم كاملاً باستخدام دمه كحِبرٍ، وعن الواقعة يروي الجودي: «المهمة لم تكن سهلة.. لقد تم إعطائي أول قارورة من دم الرئيس وبدأت العمل مباشرة، وقدمت بعد أسبوع نموذج صفحة لكي توافق عليها لجنة شكلت خصيصاً لذلك». وكان دور لجنة الخبراء يقوم ليس فقط على درس دقة النص وإنما «التأكد من أن الدم سيقاوم مرور الزمن».
الكتابة بالدم دون أن يتجلط.. ومكافأة سخية
يتابع الخطاط العراقي قائلاً: «لم يكن الأمر سهلاً.. كان الدم كثيفاً جداً ولم أتمكن من العمل به.. نصحني صديق يعمل في مختبر بخلطه بقطرات من مركب زودني به ويشبه الغلوكوز.. وقد نجح ذلك».
وأضاف: «في كل مرة كان ينتهي مخزوني من دم صدام كنت أطلب المزيد.. وكان حراس يقومون آنذاك بجلب قمع عليه ملصق مستشفى ابن سينا، مستشفى عائلة الرئيس».
وأشار إلى أنه كان في بعض الأحيان ينتظر عدة أيام أو حتى أسابيع لأن صدام حسين كان مشغولاً ولأنه كانت هناك تهديدات أمريكية.
وقال الجودي إنه كاد يفقد بصره تقريباً في تلك العملية التي استمّرت عامين، إذ كان نظام الرئيس صدام في عجلة لإنهاء تلك المهمة.
وكشف عن أنهم دفعوا له آنذاك 3000 دولار، بينما كان راتبه وقتها 54 ألف دينار عراقي «24 دولاراً فقط»، إذ كان الدينار العراقي في أضعف حالاته.
كاد أن يُسرق.. وأنقذه شيخ الوقف السُّني
في أعقاب أعمال السلب والنهب التي تلت اجتياح العراق، كان هذا المخطوط من أكثر المخطوطات التي بُحث عنها، ولكن بعد الاحتلال مباشرة تحفّظ الوقف السُّني العراقي على المصحف. وحُفظ في قبو الأرشيف الملحق بمسجد أم القرى -أم المعارك سابقاً- في بغداد بحسب تصريحات الشيخ أحمد السامرائي، الذي قال إنه كان مُدركاً لحُرمانية هذا العمل ولكن هذا لم يمنعه من الاحتفاظ به.
ورغم أن الحكومة العراقية الجديدة بعد الاحتلال، وفي عام 2005 تحديداً، كانت تسعى بقوة لإزالة كُل ما يمُت لنظام صدام حسين وحزب البعث العراقي بصِلة من آثار وبقايا ورموز. لكن العمل بقي محفوظاً.
الجدل الديني: كتابة القرآن بالدم حرام
قبل الاجتياح الأمريكي للعراق وفي نهاية التسعينيات انتشر خبر كتابة صدام حسين القرآن بدمه في أنحاء الوطن العربي، وأثار هذا النَّذر حفيظة الكثير من الناس، ودفع بالجدل بينهم. تمثل الجدل في تعليقات الصُّحف العربية آنذاك نقلاً عن بعض الشيوخ والرموز الإسلامية، فاستنكر مستشار الرئيس الإماراتي للشؤون القضائية والدينية الشيخ السيد علي الهاشمي الفعل، وقال إن كتابة القرآن بالدم حرام. بينما ذكرت صحيفة «البلاد» السعودية أنها أصيبت بالدهشة والاشمئزاز من «جريمة صدام الاعتداء على القرآن الكريم». في حين أرسل العديد من المواطنين وقتها استفسارات عن مدى حرمانية كتابة القرآن الكريم بالدم إلى شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق علي، الذي رد بفتوى تُحرم كتابة القرآن الكريم بالدم.
أين هو اليوم؟ وكم يقدر ثمنه؟
أما اليوم، فيقبع القرآن في قبو مقفل بثلاثة أبواب تحت مبنى ملحق بمسجد «أم القرى». مفاتيح تلك الأبواب تم توزيعها بين الشيخ، ومفوض شرطة المدينة، وطرف ثالث سري.
من أجل إلقاء نظرة على نسخة القرآن المثيرة للجدل يتعين على المرء أن يقدم طلباً رسمياً للحكومة.
أما ثمنه فقدرته الصحيفة البريطانية بملايين الدولارات