انطلقت في العاصمة الموريتانية نواكشوط مشاورات سياسية ضمت عددا من البرلمانيين الحاليين والسابقين والناشطين الفاعلين في الساحة من أجل البحث في مقترح تأسيس ذراع سياسي للنظام الحاكم والرئيس الموريتاني الجديد محمد ولد الغزواني.
وفاز ولد الغزواني من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في موريتانيا، بعد أن تقلّد لسنوات منصب وزير الدفاع، في حكومة الرئيس محمد ولد عبدالعزيز الذي وصل إلى الحكم إثر انقلاب عسكري.
ويعتبر الانتقال الحاصل بين ولد عبدالعزيز وولد الغزواني، أول انتقال سلمي سلس للسلطة منذ ما يقرب من 6 عقود وهو عمر البلاد منذ الاستقلال.
وإن لم يظهر الغزواني أي موقف حتى الآن في هذا الاتجاه أو ذاك، مكتفياً بتدبير الأمور بطريقته الهادئة المتأنية، أثير جدل كبير حول حاجة الرئيس الجديد لذراع سياسي يدعم تنفيذ تعهداته، ومدى حاجته لتأسيس حزب بديل عن حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الذي أسسه عبدالعزيز وحكم به خلال 10 سنوات وساند به الغزواني في الوصول للرئاسة في الانتخابات الأخيرة.
اجتماع تمهيدي
في 10 أكتوبر/تشرين الثاني 2019، عقد لقاء في منزل القاضي فضيلي الرايس، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، وحسبما ذكرت وسائل إعلام محلية حضره مجموعة كبيرة من الشخصيات الوازنة من مختلف الطيف السياسي الداعم للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
ضم الاجتماع برلمانيين ووزراء حاليين وسابقين وقيادات مجتمعية ناشطة في الحقل السياسي، من بينهم نواب من حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الذي يوصف بأنه الحزب الحاكم حاليا.
وقالت المجموعة في بيان "انحصر نقاش المجموعة حول ضرورة وأهمية وجود أداة حزبية فعالة تشكل ذراعا سياسيا للنظام وتشكل جسرا متينا بينه مع الجماهير".
كما قررت المجموعة مواصلة نقاشاتها حول هذا الموضوع والعمل على توسيع دائرة اتصالاتها عبر انتظامها في لقاءات دورية "من أجل بلورة رؤية موحدة سعيا إلى التوصل لموقف عملي يمكن من استيعاب كل القوى التي دعمت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني".
القاضي فضيلي ولد الرايس الذي استضاف الاجتماع في منزله، كان حتى وقت قريب يدعو لخرق الدستور والتمديد للرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، وكان أغلب الحاضرين لهذا الاجتماع من الشخصيات السياسية التي عرف ولاءها للرؤساء المتعاقبين على حكم موريتانيا، زمن المنتمين حاليا لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم والذي أسسه ولد عبد العزيز.
حزب جديد
منذ ترشيح محمد ولد عبد العزيز لولد الغزواني للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية، لم يستطع الثاني الخروج من عباءة الأول، حيث يصرّ عدد كبير من المتابعين على اعتبار أن ما وقع من انتقال سياسي في رأس السلطة في موريتانيا هو مجرّد خطّة من ولد عبدالعزيز للعودة للحكم، على طريقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حجز موقعه في الرئاسة بدورة واحدة ليعود لها بعد 5 سنوات.
المشاورات من أجل تأسيس حزب جديد للرئيس الجديد، تذكّر بالأحزاب التي أسسها الرؤساء السابقون للجمهورية الموريتانية، بعد جميع عمليات الانتقال في السلطة.
عقب الانقلاب العسكري الذي نفذه الجنرال معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في 12 ديسمبر/كانون الأول 1984، وأطاح بمحمد خونا ولد هيدالة متهما نظامه بالتسبب في تدهور اقتصاد البلاد وملء السجون بالمعتقلين، أسس المحيطون به الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي الذي حكم موريتانيا لأزيد من 15عاما، حتى تمت الإطاحة بولد الطايع في انقلاب عسكري عام 2005 على يد مجموعة من رفاقه المقربين.
الانقلابيون سلموا السلطة بعد سنتين إلى رئيس منتخب هو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في أبريل/نيسان 2007، الذي أسس بدوره حزب العهد الوطني للديمقراطية والتنمية "عادل"، في 6 أغسطس/آب 2008، إلا أنّه لم يعمّر طويلا في السلطة.
وعقب قرار رئاسي بإقالة قائد أركان الحرس الرئاسي محمد ولد عبد العزيز وقائد أركان الجيش محمد ولد الغزواني، قام الاثنان على الفور بانقلاب اعتقلا خلاله الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ورئيس الوزراء يحيى ولد أحمد الوقف.
ليؤسس قائد الانقلاب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية والذي لازال طيفه حاضرا فيه وهو الحزب الحاكم الذي مازال يمتلك الأغلبية النيابية في البرلمان الحالي.
وأكّد الإعلامي الموريتاني عبد الله ولد سيديا أنّ هناك مسعى حقيقي لتأسيس ذراع سياسي يقطع مع عهد الرئيس السابق ويتبناه الرئيس الحالي، وهو الأمر المتعارف عليه في موريتانيا في كلّ العهود.
وأضاف ولد سيديا لـ"الاستقلال": "بالنسبة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فإن قياداته لا يجمعهم سوى الالتفاف حول السلطة والولاء الأعمى للنظام القائم، فإذا تأكّد لديهم بأنّ الرئيس السابق ليس لديه النية بالعودة إلى الواجهة السياسية سيذهبون طواعية إلى الحزب الجديد خلف الرئيس الحالي".
واعتبر ولد سيديا أن الرئيس الحالي على علم بالطبع بهذه المبادرة التي يقودها نواب في البرلمان الموريتاني إلا أنه لا يمكن التأكيد أو النفي بأنه يقف وراءها، لكنه يخجل من الظهور في موقع القطيعة مع رفيق سلاحه السابق (ولدعبد العزيز)، إلاّ أنّه حتما يحتاج إلى ظهير سياسي جديد لتنفيذ توجهاته عبر البرلمان وهو ما لا يمكن أن يجده في الحزب الحاكم الحالي.
المبادرة الخاطئة
في المقابل يعتبر الكاتب الصحفي محمد أمين فاضل أن المبادرة تقوم على الأشخاص الخطأ، منتقدا في مقال صحفي: "عقد الاجتماع في منزل القاضي فضيلي ولد الرايس، الذي كان يدعو وإلى وقت قريب ـ وبشكل مبتذل ـ لخرق الدستور وللتمديد للرئيس السابق، وأن يكون أغلب الحاضرين لهذا الاجتماع عبارة عن شخصيات محترقة سياسيا، وذلك بعد أن بدلت ولاءها أكثر من مرة وبدون خجل لأكثر من رئيس".
وقال أمين: "أي مبادرة داعية لتشكيل ذراع سياسي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كان يجب أن يقودها النواب الرافضون للتمديد، فأولئك النواب هم من يمتلكون الشرعية الأخلاقية والسياسية للدعوة لاجتماع من هذا النوع".
وفي الوقت الذي تشهد سياسة الرئيس الموريتاني الجديد انفتاح على المعارضة، حيث ظهر ذلك من خلال استقبال كل قادتها ورموزها في القصر الرئاسي، والاستماع لهم، كما يظهر كذلك من خلال دعوة زعيم للمعارضة الديمقراطية (ابراهيم ولد البكاي) لحضور جميع الأنشطة التي حضرها الرئيس، وإعطائه المكانة المناسبة له بروتوكوليا.
إلاّ أن هذا التوجه نحو تأسيس ذراع سياسية جديدة للنظام تبقي على التخوفات المعتادة والمتوارثة عبر عقود في الحياة السياسية الموريتانية، حيث اعتبر "أمين" أنّ هذا التوجه يعتبر ظاهرة غير صحية في الحياة الديمقراطية بموريتانيا.
وأضاف "الذي يقع للديمقراطية الموريتانية على مرّ العصور والذي كان سببا في كل هذه الانقلابات، هو أنّ الدولة دائما لها حزبها، الذي لا تستطيع الأحزاب السياسية المعارضة منافسته لأنّه يمتلك أدوات الدولة وإمكانياتها، وعندما يوجد اسم جديد فلن يتغير شيء سوى اللافتة".
وتابع الكاتب الصحفي "هذا بالتأكيد سيكون له تأثير سلبي على الحياة السياسية في موريتانيا، لأنه عندما لا تكون مساحة للأحزاب السياسية بأن تكون على مسافة واحدة من الدولة، عندما يكون للرئيس حزب حاكم، وهذا الحزب لا يمكن فصله عن الدولة، فالدولة تكون هي الحزب والحزب يكون هو الدولة وهذا هو مكمن الاستبداد وحكم الفرد الواحد".