أعاد الأستاذ حماد ولد أحمد بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيل المغفور له بإذن الله الحاج ولد الحاج نشر تأبين كتبه في حقه رحمه الله ؛ رسالةٌ إلى أخي الحاج ..الحاضر الغائب هكذا ترحل عن هذه الدنيا ، وذكراك العطرة حديث يأسر الأفئدة ، ويحير الألباب ، صفحات مجد غضة طرية ، تُطوى وشمسها تغرب قبل الأفول، إلى دار الخلود والبقاء في رحلة كان استعدادك لها سفرا كتبتَ فصوله بعناية لم تفقد توجيه بوصلتها يوما. لستُ بصدد تأبينٍ، كلا، بل أستطرد شريطً حياةٍ قصيرةٍ، وإن كانت عريضةً استهللتَها يا حاج بحفظ كتاب الله العزيز، وقراءَة متون الفقه، ولماً تبلغ الحلمَ بعد، لتبدأ، وأنت فتىً يافعاً في مقتبل عمركَ رحلةَ شابٍ على خطوات النشأة في طاعة الله ..كثرةُ الخطى إلى المساجد، صومٌ.. وبرٌ بالوالدين، وصلةٌ للرحم مسلكياتٌ أدمنتَها في شبابك..هي اللهو وجلساتُ المجون لغيرك من أترابك. وكأني أشاهدك في مختلف مراحلك الدراسية .. لم تشغلك حتى الدراسة عما بدأت به رحلتك المظفرة، وكأنك تُعدُ لهذه اللحظة التي نتذكر فيها محاسنك..أعرف ويعرفُ زملاءُك عطفكَ على زملائك الطلاب ومساعدتهم بما تملك مِن متاع الدنيا..أعرفُ ويعرفُ غيري فيك إيثارا قل مثيله في رحلة التعليم والاغتراب خارج الديار.. دخلتَ عالمَ الأعمال لتقولَ لممتهنيه إنه لا يتعارضُ البتةَ مع الصدق والأمانة والإنفاق والأخلاق النبيلة .. ما عابكَ عميلٌ ولا زبونٌ..لأنك ببساطة ما قصدتَ الربح أحرى الغبنَ كنتَ عابرَ سبيلٍ على بصيرةٍ من أنً الدنيا متاع الغرور.. .. هذا ليسَ لساني يا حاج، وليسَ لسان الأهل المكلومين، فشهادتنا فيك مجروحةٌ بقدر الجرح الذي خلفه فينا مرضكَ ابتداءً ..لو لم يكن اسمك الحاج وفعلك فعل الحاج لأسميتُك أيوب لصبرك وجلدكَ... ياحاج هذه شهادة كل من عرفك..فكما فخرنا بك وأنت معنا، فإن عزاءنا في الدروس والعبر التي أورثتنا داخل الديار، وفي الرفعة التي أكسبتنا خارج الديار.. ولعل في البيتين التالين للشاعر الكبير الشيخ ولد بلعمش تصديقا لتلك الشهادة حين خاطبك قائلا : نبئت أن فتى الزمان وفرده من لايرد أخو سؤال عنده فإذا تواضع لم يطأطئ رأسه وإذا تصدى لم يصعر خده جعل اللهُ في ميزان حسناتك سعيَك لإصلاح ذات البين ورحمتَكَ للصغير وتوقيرَكَ للكبير وعنايتك بالجار وعطفكَ على الضعيف وعلاجكَ للمريض، أما عن كرمك الحاتمي فالأولى أن تكون نسبة الكرم لك لا لحاتمٍ الذي يؤثرُ عنه أنه كان يكرمُ ضيوفه فقط، لا ضيوفَ غيره من الأقارب والأباعد، كما كان ديدنك دون منٍ. يا حاج، من مناً جاراكَ في الاستقامة على أوراد ووظائف الطريقة التجانية، من مناً أكثر منك زيارتٍ لفاس ومدينة الشيخ..من منا أكثرُ منك وقفاتٍ في الحج..ولي معك أيامُ كشفت لي عن معدنك النفيس، في المشاعر المقدسة، ربما أستجمعُ قوايَ لاحقاً لسردها للجماعة، والتي لاشكً أن بعضها عايشك في مواقف مماثلة، فالحاج اسم على مسمى بامتياز. من منا يضاهيك إشتياقاً لروضة ومدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم...أنا أحدُثُ عما شاهدته منك لا عما حدثني به غيري..كنتَ الحريصَ على تأدية الصلاة في الروضة الشريفة وزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبيه صباحاً ومساءً.. آلفتك المدينة وألفتَ مزاراتها المقدسة .. طرقها، حاراتها أزقتها ، لم تُبارحني مشاهد عمراتنا معاً في العشر الأواخر .. قررتَ مرةً من المرات أن تعتكف كعادتك ، وقد كلفتي، تغمدك الله بواسع نواله، أن آتيكَ بما تحتاجه من مؤونة ..أثلجتَ صدري بعيدَ عيد الفطر، حينَ ناجيتني قائلا: "أخي حمّاد لم أنساك طيلة اعتكافي في دعائي" فأجبتك: "هذا واجب الأخ الأصغر اتجاه أخيه الأكبر" فقلتَ، مبتسماً كعادتك دائماً "ذلك صحيح، لكنكَ قد أعنتني على عبادةٍ لا ثمن لها عندي إلا الدعاء". رحمك الله يا حاج ، كل علاقاتك كانت علاقاتٍ في الله، ولوجه الله، لذالك كانت مكافأةُ عشقك لطيبة غبطتها بك في بقيعها الطاهر ...ما زلنا يا حاجُ تحت تأثير الصدمة، وليس لديً ما أقوله فيك سوى ما قلتُه سابقا في الأبيات: يقولون إن الحاج هاجر بالتقوى إلى طيبة الغراء طابت له نحوا نحاها بقلب صادق النبض عامر بحب رسول الله خافقه يروى وفي نشره نشر من اليمن طيب وفي طَيه للطيب من خير ما يطوى
.