محاولة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، لتصدر المشهد السياسي باعتباره مظلوما ومستهدفا من قبل نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بسبب آرائه السياسية ومواقفه، كانت ستلقى آذانا صاغية وقبولا لدى الشعب الموريتاني لو لم يطالع لائحة التهم الشنيعة الموجهة له أمام العدالة وفي مقدمتها الفساد وغسيل الأموال واستغلال النفوذ.
والأدهى الأمر من كل ذلك هو ادعاء "الرئيس السابق"! أن محاكمته هي مجرد “محاكمة سياسية”، وتأكيده أن مشكلته ليست مع السلطة القضائية وإنما مع السلطة التنفيذية، ومع شخص بعينه.
والحقيقة المرة هي أن الرجل لا يريد أن يكون "رئيسا سابقا" ولا يريد أن يعترف أن قدرة الله هي التي أوصلته إلى السلطة، ويلزمه التسليم لمقدر المقادير حين صرفه عنها، فالعقل يقتضي التسليم لله لأنه سبحانه مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
تهجم ولد عبد العزيز بشدة على الإطار الكفء والرجل الثقة وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين، وشقيقه الوزير السابق محمد محمود ولد محمد الأمين، ووصفه لهما بأوصاف لا تليق تعكس حقيقته الأصلية المجردة التي يقول بموجبها "ما يشاء" من غير مراعاة لوازع الأدب والأخلاق ولا لواجب التحفظ، والكل يعرف أنه لو ملك ضدهما أدلة ظنية على ما قال لعمل به في فترة حكمه التي لم يكن فيها كلام لغيره، ولاحكم غير حكمه ولامحاكمة لمن يريد الزج به في غياهب السجون.
لقد قززني حد التقيؤ حديث ولد عبد العزيز عن ندمه على مساندة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني خلال انتخابات 2019، واعترافه بأنه ارتكب بدعمه له "خطأ كبيرا" ولوتفطن قليلا وأعمل ما تبقى من عقله، لأدرك دون كبير عناء أن الخطأ الكبير الذي كان عليه أن يعترف به ويعتذر عنه هو تحطيمه لمنظومة قيم المجتمع الموريتاني ودعمه لتشتته وإحياؤه للنعرات القبلية والجهوية وإطلاقه العنان لفساد الأخلاق بعد احتوائه على خزينة الأرزاق، فبالله عليكم هل يوجد جرم أعظم من هذا؟ وهل تقبل الشهادة ممن لم تثبت أمانته؟!
صدقوني إنه جنون العظمة أو لا يكون! إن محاولة عزيز للتغزل بمحاسن حركة "افلام" ونفي صفة التطرف عنها الآن بعد عشريته، تتطلب تعليقا مركبا من جزئين:
أولهما: أن الغزل غرض شريف لا يتقنه إلا من قهرته لواعج الأشواق وحركت أحاسيسه نسمات الجمال وآتاه الله القدرة على التعبير فترجم ما يدور في خلده بأسلوب أدبي رقيق المعنى يتذوقه المتلقي وينتفع به، والحقيقة أن التاريخ سجل للرجل أكبر إساءة لفظية وجهت للأدب والأدباء منذ نشأة هذا المنكب البرزخي أو على الأقل منذ نشأة الدولة الحديثة.
أما الجزء الثاني: فلعل العين التي يرى بها عزيز أمور الحكم اليوم لم تكن في رأسه بالأمس، أو لعله يريد أن يقول: 《رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ》فالجواب في بقية الآية الكريمة في قوله تعالى: 《كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا》
والحقيقة أن من يواجه تهما بالفساد وغسيل الأموال والإثراء غير المشروع، وجمدت له العدالة الموريتانية حتى الآن 41 مليار أوقية قديمة (ما يزيد على 100 مليون دولار) لا يُطلب منه تقديم دروس في الحكم الرشيد، بقدر ما يطلب منه التفرغ للدفاع عن نفسه بالحجة والبرهان وتقديم مبررات تقنع هذا الشعب المسكين أن رئيس الفقراء لم يخدعهم ولم يخنهم بالغيب ولم يكن من المفسدين.
أما اتهامه نواب البرلمان و-هو من أتى بهم- بالفساد والمحسوبية والزبونية فهو كلام يسميه المثل الموريتاني "ظحكة المظحوك فيه" وينبغي لمن بنى بأموال دافعي الضرائب ناطحات سحاب في مدارس وملاعب العاصمة أن يبحث عن غير هذا السبيل ليمر منه فالزمن لا يمكن تحت أي ظرف أن يعود إلى الوراء.
قال تعالى: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" صدق الله العظيم
بقلم الدكتور يوسف حرمه ببانه