نص الكلمة الارشادية التي وجهها مولانا الخلليفة العام للفيضة التجانية للأحباب في موريتانيا بمناسبة زيارته الحالية لهم:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خص أصفياءه بمراقبته وطاعته ومحبته والوقوف عند نواهيه وأوامره، ونور قلوبهم باتباع صفوته من خلقه واقتفاء آثار مرآة ذاته ومجلى صفاته سيدنا محمد الفاتح الخاتم الهادي عين الرحمة عين الحق طلعة الحق؛ من لولاه يبقى الحق حقا وما دُري؛ ورضي الله عن خاتم الولاية المحمدية وممد الصفوة الأحمدية رجلها من قاف إلى قاف شيخنا أحمد بن محمد التجاني سقانا الله منه بأعظم الأواني، ورضاه عن خليفة الكل شيخنا الشيخ الحاج إبراهيم عبد الله حقيقة ومعنى وصورةً،
أيها الأحباب في الله وفي رسوله ووليه وخليفته مقدمين ومريدين من تمسكوا بعهد الشيخ، قائلين: ربنا الله ثم استقاموا شريعة وطريقة وحقيقة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عن مدد مولانا الشيخ رضي الله عنه إفاضة منه إليه، السلام على كل واحد منكم باسمه وصفته وبجميل نعته.
وبعد،
فإني أحمد الله سبحانه وتعالى الذي من علينا بهذا اللقاء وهذه الزيارة فجئنا إلى موريتانيا التي ربطنا الله بها قلبا وقالبا بوشائج خاصة باقية ببقاء الله، جئنا لتوطيد عهود مؤسسة كلها على محبة الله ورسوله؛ وكما قال الشيخ رضي الله عنه في خطبته التاريخية في ألاق "إني أدين لكم بالشكر والامتنان كنتم تأتوننا من هذه البلاد البعيدة، والفضل في ذلك لكم، واليوم جئتكم وتفضلتم بما تفضلتم به من إكرام وحفاوة والفضل لكم فالفضل في الحالتين لكم".
نعم.. لقد جئت مصحوبا في هذه الزيارة بوفد من مدينة الشيخ يضم عددا من أبناء وأحفاد الشيخ وعددا من أبناء وأحفاد الخلفاء والكبراء وخدام حضرة الشيخ، إضافة لعدد من مسؤولي الاتحاد الإسلامي الإفريقي ذلك الاتحاد الذي أسسه الشيخ وقمنا بإحيائه خدمة للدين وتحقيقا للأهداف التي حددها له الشيخ قبل ستة عقود.
ولنا كامل الشرف بأن نبلغكم في هذا الموقف، تحية مدينة الشيخ وتحية كوس الفيضة وتحية طيبة المولد وطيبة المدد، وأبلغكم أيضا تحية مسجد الشيخ، وتحية ضريحه وتحية مكانه وزمانه وتحية مكتبته وتحية مدرسته وتحية دواوينه وتحايا مقاله ومقامه.
وإنني لأتشرف عظيم الشرف، باسم الحضرة وباسم الوفد المرافق، وباسم جمهورية السنغال وباسم الاتحاد الإسلامي الإفريقي، وباسم زوايا الفيضة عبر العالم، بأن أتوجه بأعظم التحايا وأخلص الدعوات لفخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وفقه الله وسدد خطاه، ومن خلاله لموريتانيا شعبا وأرضا وتاريخا وحضارة.
أيها الإخوة أحباب الشيخ،
إن أول ما أوصيكم عليه هو الرجوع لوصايا الشيخ وهي معروفة لديكم، فأنا أحيلكم إليها لما جمعته من الدلالة على الله ورسوله.
ومن آكد ما في تلك الوصايا، التمسك التام بالكتاب والسنة والعض عليهما بالنواجذ فهما رأس المال والراحلة المبلغة ومن أوكد ذلك أيضا المحافظة على العبادات التي أوجبها الله والتخلق بالأخلاق النبوية الأحمدية الإبراهيمية.
ومن ذلك الاستقامة على الورد التجاني، فقد أكد الشيخ رضي الله عنه في وصيته "أنه كنز الأحياء والأموات"، ومن آكد الوصايا المحافظة على الوظيفة؛ والجماعة واجبة في الوظيفة كما تعلمون إلا لعذر.
ولا بد لكم من استكمال السلوك ظاهرا وباطنا وباطن باطن حتى تجنوا كل الثمرات شريعة وطريقة وحقيقة، وتعلمون أن في ذلك الحظوة بجنة الشهود، وأنه حجر الزاوية ومربط الفرس والغاية المقصودة والسعادة التي لا شقاوة بعدها.
واحذروا على معارفكم وعلى أذواقكم من الزيغ وكما قال الشيخ رضي الله عنه: دعوا عنكم التجاهر بكلام أهل الحقائق، فإفشاء أسرار الربوبية أشد عند الله من الحرام، فاستقيموا الله بالله في الله، تنالوا مراتب المشاهدة والمراقبة والمعرفة.
واحذروا على مجالسكم من الاختلاط أو مخالفة الشرع، يقول الشيخ رضي الله في رسالة لأحد مريديه: بعد حمد الله، واعلم یا أخي أني دائماً مشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنکر بلساني وقلمي وقولي وفعلي، لا أحمل الناس إلا علی تقوى الله في السر والجهر بامتثال أوامره واجتناب نواهیه والاجتماع للصلوات الخمس وقراءة الوظيفة وذكر الله سراً وجهراً وتلاوة القرآن والعمل بطلب الحلال، فمن امتثل أمري فلا یشتغل إلا بهذا، ومن لم یمتثل أمري فما أنا بصاحب سیف".
ولا تعطوا لأعدائكم الأسلحة ليحاربوكم بها ولا تمنحوهم الأدلة للإنكار عليكم فهم يودون لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم ليميلوا عليكم ميلة واحدة.. فنحن لا نعطي لأحد السبقية في اتباع الكتاب والسنة لأننا الوارثون لدائرة الشريعة وراثة حقيقية بحكم أننا بحمد الله نقيم المساجد والجوامع بالعبادات ونحييها بالذكر وتلاوة القرآن العظيم وتدريس العلوم الشرعية كما أننا لا نعطي الأسبقية لأحد في مجال الطريقة لأننا بفيضة الشيخ وارثوها الحقيقيون والشواهد قائمة وأما الحقيقة فأمر خص الله به أحبابه وأصفياءه ونرجو أن نكون في طليعة أولئك، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".
أيها الأحباب،
تأتي زيارتها هذه لموريتانيا في ظرف يواجه فيه إخوتنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة حرب إبادة وفساد في الأرض تمارسها إسرائيل على مسمع ومرأى العالم، بل بتشجيع ودعم من دول عديدة ترفع شعارات حقوق الإنسان وتؤيد المساس العلني بها.
وإنني باسمي وباسمكم جميعا، لأندد بأشد التنديد بهذه الجرائم الشنيعة، كما أدعو للتضامن مع الأهالي في غزة، عبر الاحتجاجات المتواصلة وعبر جمع التبرعات إلى أن يتحقق الاستخلاف والنصر والتمكين، ووعد الله في ذلك لن يخلف..
وأنا أذكر هنا ما كتبه الشيخ رضي الله عنه في رسالة وجهها إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية يوم 22 يناير 1964م بمناسبة انعقاد مؤتمر القاهرة لمساندة فلسطين، يقول مولانا الشيخ: "نعم!! إن العدو يعتمد على قوى الاستعمار التي فرضته فرضا وأقحمته إقحاما وهي ولا شك قوى هائلة ولكنها لن تستطيع صبرا مع قوتكم التي تتمثل قبل كل شيء في عدالة قضيتكم وقوة إيمانكم والرأي العام العالمي الذي يساندكم والثروات التي تفيض على أرضكم والمواقع التي تحتلها بلادكم وتراثكم الروحي الذي يدفع كل فرد منكم إلى استعذاب العذاب في سبيل الدفاع عن الحق".
أيها الأحباب
أخبركم أننا نواصل استنهاض الهمم لاستكمال المشاريع التي بدأها الشيخ في جميع المجالات وفي مقدمتها صرف الاهتمام لإكمال المسجد والعناية بالمعهد وتوسعته بفتح أقسام جامعية.
كما أننا جادون في تنظيم أمور الحضرة تنظيما معاصرا يجعل للفيضة أدوارها وحضورها العلمي والثقافي والاجتماعي على جميع الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية، وفي هذا الصدد قمنا بإحياء وتنشيط الاتحاد الإسلامي الإفريقي، وستستمعون إلى تفصيلات عن ذلك من طرف الأمين العام للاتحاد الذي يرافقنا في هذه الزيارة.
ولن أنهي كلمتي قبل تجديد الشكر لكم فلكم جميعا الشكر المتصل ولكم منا ومن الشيخ إن شاء الله كمال الرضا.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل زيارتنا هذه التي هي كلها في ذات الله تبارك وتعالى، مقبولة لديه وأن يفتتح بها المغلقات ظاهرا وباطنا وباطن باطن.
وأسأل الله لموريتانيا الغالية، الخير والسلم والاستقرار، وأن يكثر خيراتها وأن يخصب أرضها ويركز البركة فيها.
كما أسأل الله لنا ولكم دوام الترقي في معرفة الله تبارك وتعالى وأن يوثق عرى ووشائج ارتباطكم بالشيخ رضي الله ...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.