شكّل إعلان مرشح الأغلبية الرئاسية وزير الدفاع ورفيق درب الرئيس الموريتاني الحالي محمد الغزواني الجمعة 1 مارس/آذار ترشحه للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في يونيو/حزيران المقبل، محطة حاسمة في المشهد السياسي الموريتاني، حيث إن ذلك الإعلان جاء بعد أشهر من الانتظار والترقب في صفوف الموريتانيين بشكل عام، والنخبة السياسة بشكل خاص، ممثلة في الأحزاب السياسية والناشطين والتيارات المستقلة؛ فما دلالات هذا الحدث؟ وما الذي سيترتب عليه بالنسبة للمشهد السياسي في موريتانيا؟
لم تشهد الساحة السياسية الموريتانية من التشرذم والاستقطاب مثلما شهدته خلال السنوات الثماني الأخيرة، أي خلال فترة حكم الرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز، ذلك أنه بقدر ما شكل الأخير مصدر إجماع لأحزاب الأغلبية الرئاسية التي دافعت عما تعده إنجازاته في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ظلت أحزاب المعارضة الراديكالية ترى في السنوات التي حكم فيها الرئيس أسوأ حقبة عاشتها البلاد في ظل حكمه.
فقد قاطعت تلك الأحزاب ممثلة في «المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة» الانتخابات الرئاسية التي تم تنظيمها نهاية شهر يونيو/حزيران 2014، بحجة عدم توافر شروط نزاهتها، كما قاطعت الانتخابات التشريعية والبلدية التي جرى تنظيمها في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول عام 2013، بل إن لغة التخاطب التي حكمت العلاقة بين الرئيس محمد ولد عبدالعزيز وأغلبيته الحزبية من جهة، وأحزاب المعارضة الراديكالية من جهة أخرى، ظلت تتسم بالكثير من التشنج والتصعيد اللفظي، وهو ما حال دون انخراط الطرفين في حوار سياسي ظلت قوى المعارضة تطالب به منذ تولي الرئيس مقاليد السلطة قبل ثماني سنوات تقريبا.
التزام بعدم الترشح
لكن المتابع للمشهد السياسي الذي أعقب تأكيد الرئيس التزامه بنص الدستور الذي يمنعه من الترشح لانتخابات 2019، يلاحظ وجود تحول فارق في لغة الخطاب المعهود لدى أحزاب المعارضة تجاه النظام الحاكم، وهو ما يمكن تفسيره بأنها بدأت تستشعر نوعا من الطمأنينة السياسية، فتجددت لديها الآمال في المشاركة في الانتخابات المقبلة، خاصة بعد أن تأكدها تماما من إحباط ما بات يعرف في الساحة الموريتانية بـ"محاولة الانقلاب الدستوري" التي قاده نواب برلمانيون موالون للحزب الحاكم (الاتحاد من أجل الجمهورية) في شهر يناير الماضي 2019، في مسعى منهم لدفع الرئيس إلى تغيير الدستور والتراجع عن التزاماتهم بعدم الترشح لفترة رئاسية ثالثة.
إلا أن إعلان وزير الدفاع محمد ولد الشيخ محمد أحمد (محمد ولد الغزواني) - مرشح النظام الحاكم- عن ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية، كان له الأثر الأكبر في إحداث انفراجة سياسية لدى المتابع الموريتاني بشكل عام.
فبغض النظر عن الصورة الإيجابية التي ظل يتمتع بها الجنرال والقائد العام السابق لأركان الجيوش لدى النخبة الحاكمة في موريتانيا، فإن خطاب ترشحه الذي ألقاه أمام حشد كبير من المواطنين مارس الجاري، قد حظي بقبول واسع لدى الشارع العام، حيث وصف خطاب الرجل بأنه خطاب معتدل وخالٍ من عبارات التخوين والشيطنة التي تعود الرئيس الحالي إطلاقها بحق أحزاب المعارضة، بل إن خطاب المرشح محمد ولد الغزواني تضمن رسائل إيجابية لكل ألوان الطيف السياسي، حين قال بالحرف "سيجد الجميع مني آذانا صاغية وعقلا منفتحا وصدرا رحبا في التعاطي مع كل فكرة بناءة ورأي رصين.. بكم يكتمل النجاح وكلكم يستطيع المشاركة من موقعه".
ولعله من أبرز ما لفت انتباه أغلبية المتابعين أن المرشح لم يتحدث عن النظام الحاكم، ولم يتطرق لعلاقته بحزب الأغلبية الحاكمة، كما أنه لم يستدعِ في خطابه أي عبارات أو مصطلحات قد تحيل إلى استمرار النهج السياسي السابق.
هل يكفي الخطاب وحده؟
لكن هل تعد النقاط الإيجابية في خطاب المرشح غزواني مؤشرا إيجابيا على فوزه في الإيجابيات المقبلة؟ إنه سؤال قد يبدو وجيها، لأنه يستقي أهميته كذلك من موقف المعارضة تجاه المرشح محمد ولد الشيخ محمد أحمد (محمد غزواني) من جهة، كما يتعلق من جهة أخرى بمدى قوة المعارضة في الساحة السياسية في الوقت الراهن.
فإذا كانت تلك الأحزاب تنظر إلى مرشح الأغلبية بنوع من القبول، فإن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال انسحابها من الساحة لصالحه، بل إنه يعزز لديها الثقة في توفير ضمانات ستسمح لها بخوض الانتخابات في ظروف مناسبة، وبالتالي سيزداد لديها الأمل في الفوز.
سيناريوهات مستقبلية
ومهما يكن طموح أو مستوى الآمال الموجودة لدى أحزاب المعارضة، فإن المراقب العادي لتطورات الساحة الراهنة في موريتانيا لا يرجح فرضية فوزها بسهولة في انتخابات يونيو المقبل، حيث لا تزال تلك الأحزاب عاجزة عن التوصل إلى اتفاق يجعلها تخرج بمرشح واحد.
فأحزاب المعارضة الراديكالية لم تتفق لحد الآن على اختيار مرشحها المفترض، فيما يتوقع أن ترشح بعض أحزاب المعارضة الأيديولوجية قياداتها التاريخية لخوض غمار الانتخابات، وهي حالة ستؤدي بدون شك إلى تشتيت أصوات ناخبي المعارضة، وإذا كانت أحزاب المعارضة ترمي إلى الوصول إلى شوط ثانٍ، باعتمادها خطة تعدد الترشيحات، فإن التجارب السابقة قد أثبتت فشلها في أكثر من مناسبة.
وبالتالي فإن ذلك سيصب -من دون شك- في صالح مرشح الأغلبية محمد ولد الشيخ محمد أحمد الذي يعتمد على الإرث السياسي للرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز من جهة، ويوظف عمقه الاجتماعي من جهة أخرى.
كما أنه يراهن على الاستفادة من كشكول أحزاب الأغلبية الرئاسية والكثير من الشخصيات المستقلة، إضافة إلى اعتماده على أصحاب الولاءات التقليدية في عمق الداخل الموريتاني التي ظلت تشكل على مر التاريخ السياسي الموريتاني مخزونا انتخابيا لمرشح الحكومة.
يضاف إلى ذلك أن لدى المرشح محمد ولد الشيخ محمد أحمد ميزات إضافية، من بينها أنه ابن المؤسسة العسكرية التي تلعب دورا قويا في المشهد السياسي، كما أنه قد اكتسب خلال قيادته للأركان العامة للجيوش خبرة في التعاطي مع أبرز الملفات الحساسة في الدولة مثل ملف محاربة الإرهاب والتنسيق مع القوى الإقليمية والدولية لمحاربته في منطقة الساحل.
ويرى آخرون أن الرجل سيستغل ميزة غيابه عن واجهة الصراع السياسي الذي طبع الساحة الموريتانية طيلة السنوات الأخيرة وما ارتبط بذلك من شخصيات محسوبة على الرئيس الحالي، ولذا فإنه يتوقع منه أن يستبعد هؤلاء عن واجهة حملته الانتخابية ويعتمد على وجوه جديدة لم ترتبط في أذهان الموريتانيين بصورة سلبية.
لكن السؤال الذي لا ينفك يطرحه العديد من المتابعين هو إلى أي حد سيتمكن محمد ولد الغزواني من فك الارتباط مع هؤلاء رغم حضورهم القوي في حزب الأغلبية الحاكمة الذي مهد الطريق أمام ترشيحه وسيتبنى برنامجه الانتخابي بقوة؟
جمال محمد عمر /العين الاماراتية .نواكشوط