أي مستقبل للرئيس السابق في المعارضة؟
يبدو أن الرئيس السابق قد قرر أن ينخرط في المعارضة، وهو ما يستدعي منا طرح السؤال الإستشرافي التالي : أي مستقبل للرئيس السابق في المعارضة؟
إن التمهيد لأي إجابة متماسكة تحليليا على هذا السؤال يستوجب منا أن نطرح السؤال الذي لم نتجرأ على طرحه في الفترة الماضية وذلك لغياب المعلومة، إنه السؤال الذي يقول : هل ترك الرئيس السابق السلطة طواعية أم أنه أجبر على تركها؟
بعد القراءة المتأنية لكل الأحداث التي جرت خلال الأشهر الماضية فقد أصبح من الراجح عندي أن الرئيس السابق لم يترك السلطة طواعية، وإنما أجبر على تركها، وأدلتي في ذلك يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1 ـ إن الطريقة التي أُصْدِر بها البيان الرئاسي الذي أوقف مبادرة النواب المطالبة بالتمديد توحي بأن هناك جهة ما تدخلت في آخر لحظة لفرض إيقاف تلك المبادرة، وحتى من قبل عودة الرئيس إلى أرض الوطن.
2 ـ ردود فعل الرئيس السابق بعد الإعلان عن ترشح غزواني، فتارة كان يقول بأن المرشح غزواني هو من رشح نفسه، وتارة كان يقول بأنه مرشح الأغلبية. الأوضح من كل ذلك هو ما حدث من تسريبات ضد المرشح، هذا فضلا عما تمت ملاحظته من محاولات جدية لإفشال حملته والاستيلاء على تمويلاتها. كل تلك التصرفات عززت من جدية الفرضية التي كانت تقول بأن الرئيس السابق كان يعمل بالفعل من أجل أن لا يفوز المرشح غزواني في الشوط الأول، وأن الهدف من ذلك هو إجباره من قبل فوزه على توقيع اتفاق خلال الشوط الثاني مع المرشح الذي يحصل على الرتبة الثالثة، وأن ذلك الاتفاق سيكون بمثابة ورقة ضاغطة سيستخدمها الرئيس السابق لفرض دور له في تسيير شؤون البلاد من بعد خروجه من السلطة.
3 ـ بعد فشل ذلك السيناريو وبعد تمكن المرشح غزواني من الفوز في الشوط الأول حدثت حالة ارتباك كان من نتائجها فرض حالة طوارئ لا مبرر لها..فهل كان الغرض من فرض حالة الطوارئ تلك هو التشويش على فوز المرشح في الشوط الأول؟ ولماذا تم قطع الانترنت لعدة أيام خاصة وأن الرئيس السابق لم يفكر ـ ولو لمرة واحدة ـ خلال عشريته في قطع الانترنت، لم يفكر في ذلك خلال الانفلات الأمني الذي عقب أحداث حرق المصحف الشريف، ولم يفكر فيه خلال الانفلات الأمني الذي عقب الاحتجاجات الرافضة لقانون السير.
4 ـ بعد تجاوز تلك الأحداث فوجئ الرأي العام بمحاولة لإبرام اتفاق في الوقت بدل الضائع بين النظام المنصرف والمرشح الفائز بالرتبة الثانية، ولقد بذل رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير الحزب جهدا كبيرا من أجل أبرام ذلك الاتفاق، ولكن تدخلا في اللحظات الأخيرة يشبه تماما التدخل الذي أوقف مبادرة النواب المطالبة بالتمديد أفشل ذلك الاتفاق من قبل توقيعه.
إنه من الصعب جدا تحديد الأسباب التي جعلت الرئيس المنصرف يبذل جهودا كبيرة خلال الساعات القليلة التي سبقت تنصيب الرئيس الفائز من أجل توقيع اتفاق مع المرشح بيرام. إنه من الصعب جدا تحديد أسباب ذلك، ولكن يبقى من المحتمل بأن توقيع ذلك الاتفاق كان محاولة في الوقت بدل الضائع لتلافي فشل الخطة التي كانت تسعى لجر المرشح غزواني إلى شوط ثان مع المرشح سيدي محمد ولد بوبكر، وذلك من أجل إجبار المرشح غزواني لأن يوقع اتفاقا مع المرشح بيرام، وسيكون ذلك الاتفاق ورقة يلعب بها الرئيس السابق لضمان فرض دور له في تسيير شؤون البلاد بعد تنصيب الرئيس غزواني. فشلت هذه الخطة لأن المرشح غزواني تمكن من الفوز في الشوط الأول، في حين أن المرشح سيدي محمد ولد بوبكر لم يتمكن من الوصول إلى الرتبة الثانية. وبسبب فشل هذه الخطة تم اللجوء إلى محاولة إبرام اتفاق مع المرشح بيرام ساعات من قبيل تنصيب الرئيس غزواني. صحيح أن هذه مجرد فرضية قد تكون صحيحة وقد لا تكون، ولكنها ستبقى في كل الأحوال فرضية متماسكة تحليليا، ومما يزيد من تماسكها وقوتها هو كثرة نقاط الاستفهام التي تطرح حول طبيعة العلاقة التي تجمع بين الرئيس السابق والمرشح بيرام، وكذلك الأدوار المتبادلة التي يقدمها كل واحد منهما للآخر. ولقد ازدادت الشكوك حول طبيعة هذه العلاقة بنقطة استفهام جديدة، وذلك بعدما قرر النائب بيرام أن يقف ـ بقوة وحزم ـ ضد تشكيل أي لجنة برلمانية للتحقيق في عشرية الرئيس السابق.
أشير إلى أن كل هذه المحاولات الهادفة إلى الحد من سلطات الرئيس المنتخب قد صاحبتها محاولات أكثر وضوحا على مستوى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية. ويمكن أن نجمل المحاولات التي تمت على مستوى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في نقطتين أساسيتين:
الأولى: بعد إحدى عشر شهرا من أضخم عملية انتساب يشهدها حزب حاكم في موريتانيا، وبعد شهر ونصف من بيان الرئاسة الذي أوقف مبادرة النواب للتمديد، وبعد يوم واحد من إعلان ترشح غزواني..بعد كل تلك الأحداث ـ وفي تسلسلها ما يستحق التأمل ـ انعقد المؤتمر الثاني لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وبدلا من انتخاب أو تعيين لجان دائمة، تم اختيار لجنة تسيير مؤقتة تتولى إدارة شؤون الحزب في انتظار أن يكون الرئيس السابق جاهزا لترؤس الحزب.
الثانية: تم الحديث عن مقترح فُصِّل على مقاس الرئيس السابق من بعد خروجه من السلطة وترؤسه للحزب، وكان هذا المقترح سيقدم لمؤتمر الحزب وهو يتمثل في تشكيل مجلس رئاسي برئاسة رئيس الحزب وبعضوية رئيس البرلمان والوزير الأول والأمينين التنفيذيين للسياسية وللعمليات الانتخابية. يعني أن الرئيس السابق كان سيمنح صلاحيات واسعة من بعد انتخابه رئيسا للحزب.
يتضح من كل ما سبق بأن الرئيس السابق ومن بعد فشل كل مبادرات التمديد كان يخطط ـ ومن خلال عدة سيناريوهات ـ لفرض نوع من الوصاية أو السيطرة على الرئيس الذي سيخلفه.
لم تنجح خطط الرئيس السابق، وكانت نهاية تلك الخطط مع المحاولة الفاشلة التي قادها الرئيس السابق للسيطرة على الحزب من خلال لجنة التسيير التي اجتمع بها من بعد عودته إلى الوطن، والتي حاول من خلالها أن يحدد موعدا لمؤتمر الحزب، وأن يظهر بالتالي بمظهر الآمر والناهي داخل الحزب.
فشل الرئيس السابق في محاولته الأخيرة للاستيلاء على الحزب، وكان من نتائج فشل تلك المحاولة أن وجد الرئيس السابق نفسه وحيدا، أو على الأصح وللدقة، فقد وجد نفسه في حالف من ثلاثة أشخاص داخل حزب قيل بأن منتسبيه زادوا على مليون ومائة ألف منتسب!
تأكد للرئيس السابق أن أغلبيته السابقة قد لفظته، فقرر أن يجرب حظه مع المعارضة، فهل ستنجح هذه المحاولة؟ وأي مستقبل للرئيس السابق في المعارضة؟
هناك من يتحدث عن إمكانية أن يلعب الرئيس السابق دورا في معارضة الرئيس الحالي، ويدفع أصحاب هذا الرأي بحالة الرئيس الراحل أعل ولد محمد فال رحمه الله، والذي استطاع أن يلعب دورا قياديا في المعارضة من بعد خروجه من السلطة.
ينسى أصحاب هذا الرأي بأن هناك نقاط اختلاف كثيرة بين الرئيسين، ولعل من أهمها:
1 ـ أن الرئيس الراحل أعل ولد محمد فال لم يكمل سنتين في الرئاسة بينما أكمل الرئيس السابق إحدى عشر سنة. وهذه المدة تكفي لأن يمل الناس من رئيس قدم إنجازات كبيرة، فكيف إذا كان الأمر يتعلق برئيس تثار أسئلة كثيرة حول إنجازاته؟
2 ـ أن الرئيس الراحل أعل كان يتعامل بإيجابية كبيرة جدا مع المعارضة خلال فترة حكمه، بينما كان الرئيس السابق يتعامل معها بسلبية كبيرة جدا، بل إنه كان يتعمد الاصطدام بها.
3 ـ الرئيس الراحل أعل ولد محمد فال انخرط في المعارضة بعد الانقلاب على رئيس منتخب، بينما يحاول الرئيس الحالي أن ينخرط في المعارضة بعد انتخاب رئيس جديد اعترفت المعارضة عمليا بشرعية انتخابه.
يظهر من خلال نقاط الاختلاف هذه بأنه لا وجه إطلاقا للمقارنة بين الرئيس الراحل أعل رحمه الله والرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ومن المؤكد بأن هذا الأخير لن يجد مكانا في معارضة لا تحتفظ له بأي ذكرى جيدة خلال الإحدى عشر سنة التي تولى فيها رئاسة البلاد. بل على العكس من ذلك فإن المعارضة هي في أشد التحمس الآن لمواجهته، وهي لا تنتظر لأن تقف في صف رئيس الجمهورية في أي مواجهة محتملة مع الرئيس السابق، لا تنتظر لذلك، إلا أن يعطي رئيس الجمهورية الإشارة ببدء المواجهة.
لقد رفع الرئيس السابق الحرج عن صديقه رئيس الجمهورية بمحاولته الفاشلة للاستيلاء على الحزب، وهو ما أجبر رئيس الجمهورية على التدخل لسحب البساط من تحت أرجل الرئيس السابق، وتركه يعيش في عزلة سياسية قد تستمر طويلا..وإذا ما استمر الرئيس السابق في رفع لواء المعارضة في وجه صديقه رئيس الجمهورية، فإن ذلك قد يرفع من الحرج من جديد عن رئيس الجهورية، وربما يجعله يفكر في تحقيق مطلب يرفعه كثيرون، ألا وهو المطلب المتمثل في فتح تحقيق في فترة حكم الرئيس السابق. وإن قرر رئيس الجمهورية ذلك فإن شعبيته ستزداد بكل تأكيد، وحينها سيتضح للرئيس السابق بأنه قد أخطأ برفع لواء المعارضة، كما أخطأ من قبل ذلك في محاولته الفاشلة للسطو على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
حفظ الله موريتانيا..