موريتانيا بين فبركة الذكاء الإصطناعي وأحلام زعزعة الإستقرار /محمد الامين ولد محمد الحنفي

أربعاء, 23/04/2025 - 01:37

 

تشهد الساحة الوطنية هذه الأيام حملات إلكترونية مشبوهة تحاول إثارة قضايا حساسة تتعلق بتوطين الأجانب ومنح الجنسية، وهي مواضيع شائكة طالما لجأ إليها بعض خصوم الوطن للتشويش على الإنجازات أو لإثارة الفتنة. لكن الجديد في هذه الموجة هو استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإنتاج فيديوهات ومقاطع مفبركة، يتم تداولها بكثافة على منصات مثل تيك توك وفيسبوك، بهدف تضليل الرأي العام، وتغذية نظريات المؤامرة حول “خطر ديموغرافي” مزعوم.

غير أن هذه الحملة لا تقف عند حدود الخطاب السياسي الداخلي، بل تتجاوزها لتأخذ طابعًا إقليميًا ودوليًا، حيث تتقاطع مصالح بعض الجهات الخارجية، وعلى رأسها روسيا، التي تنظر بعين الريبة إلى الحضور المتنامي للولايات المتحدة، والناتو، وشركاء أوروبيين مثل إسبانيا وجمهورية التشيك، في موريتانيا، خصوصًا في الجانب الأمني والعسكري.

إن نشر مستشارين ومدربين عسكريين من هذه الدول في موريتانيا، في إطار التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، جعل من نواكشوط اليوم ركيزة للاستقرار في الساحل، ونموذجًا مدنيًا ديمقراطيًا، يُقابل بفشل واضح للأنظمة العسكرية في دول تحالف الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو)، التي لم تجنِ من تحالفها مع موسكو سوى العتاد الحربي الذي لا يشبع جائعًا، ولا يبني مدرسة، ولا يخلق أملًا في مستقبل أفضل.

لكن ما فات على مصممي هذه الحملات المضللة، سواء من داخل البلاد أو عبر أيادي خارجية، أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لا يستمد شرعيته من دعم أجنبي، ولا من انقلاب عسكري، بل من صناديق الاقتراع ومن مشروع سياسي إصلاحي هادئ، نجح في كسب ثقة الشارع الموريتاني، وفي إدارة التوازنات الإقليمية والدولية باحترافية نادرة.

وما لا يعلمه كثيرون ممن يشاركون دون وعي في إعادة نشر هذه المواد المفبركة، هو أن الذكاء الاصطناعي اليوم بات أداة خطيرة في صناعة الأكاذيب، يمكن أن يُنتج مشاهد كاملة بصور ووجوه وأصوات توهم المشاهد بواقع غير موجود، ما يتطلب من المواطنين ووسائل الإعلام والفاعلين في المجتمع المدني التحلي بدرجة عالية من الوعي الرقمي والمسؤولية الوطنية.

أما من يتهمون النظام بمحاولة تغيير التركيبة السكانية أو التلاعب بالهوية، فهم إما جهلة بحقائق الدولة ومؤسساتها، أو يعملون ضمن أجندة هدفها زعزعة الأمن وضرب الثقة بين الحاكم والمحكوم. والحقيقة أن أي قرارات تخص التجنيس أو الإقامة تمر عبر مسارات قانونية صارمة، تشرف عليها جهات سيادية ومؤسسات دستورية، وليس مجرد أهواء سياسية كما يروج البعض.

ولا يمكن الحديث عن هذا الملف دون الإشارة إلى الدور الوطني المسؤول الذي يضطلع به وزير الداخلية، السيد محمد احمد.ولد محمد الأمين الرجل الذي أثبت في أكثر من موقف أنه يعمل بمنطق الدولة، لا بمنطق الصراع، وأنه يضع مصلحة موريتانيا فوق كل اعتبار حزبي أو شخصي.

ختامًا، فإن ما يجري اليوم ليس إلا محاولة يائسة لإرباك المشهد الوطني، في وقت تتجه فيه البلاد نحو مرحلة جديدة من الاستقرار، والبناء، والانفتاح السياسي، وهو ما يزعج أعداء الداخل والخارج. لكن وعي الشعب الموريتاني، وتجربته الديمقراطية المتقدمة، سيتكفلان بإجهاض هذه الحملات، كما أجهضت من قبلها كثيرًا من المؤامرات.

موريتانيا اليوم تسير بثقة نحو المستقبل، ولن توقفها فبركات الذكاء الاصطناعي، ولا دعايات الأنظمة العسكرية الفاشلة، ولا أصوات النشاز الباحثة عن الفوضي.

محمدالأمين بن محمد الحنفي 
اركيز بتاريخ  22  ابريل 2025